ما من شك في أنّ الـ"فوتبول" تُعدّ الرياضة الأكثر شعبية، وشعبية كرة القدم، بطبيعة الحال، تنعكس على الأطفال أيضاً، الذين يستأنسون بممارستها. وهي مفيدة لهم، ولا تتضمن أي ضرر صحي، سوى في حالة معينة هي العَوَر.
طبعاً، لا نتحدث هنا عن الأطفال الموهوبين، ممن تتضح مقدراتهم الخارقة عن العادة في سن مبكرة، في رياضة ما، بما في ذلك كرة القدم. إنّما نتحدث عن الأطفال بشكل عام، وبصورة خاصة الذكور. فما أكثر الأولاد والصبية ممن يتلذذون بركل الكرة، والتراكض وراءها والتدافع عليها، في الحدائق والساحات، وباحات المدارس، وأحياناً حتى في الشوارع، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر. ومَن منّا، في صغره، لم ينتم إلى فريق بسيط، على الصعيد المدرسي أو المحلة أو الشارع؟ ومَن منّا، الآن وقد أصبح راشداً، لم يَرَ أطفاله، أو أولاد أخيه أو أخته أو قريبه أو جاره، وهم يستمتعون بممارسة تلك الرياضة، في معظم الأحوال للترفيه وحسب، وتمضية الوقت وتفريغ الطاقة، وليس لأي غرض يتعلق بالاحتراف أو التألق؟
- التحفظ الوحيد:
إذن، يُحسن ترك الأولاد على سجيتهم، واستغلال ذلك الولع الطبيعي، شبه "الغريزي"، الذي ينتابهم بركل الكرة بالقدمين، واغتنام الفرصة لجعلهم يستفيدون منه من أجل تنمية مقدراتهم التنفسية والعضلية، وحفز نموهم الطبيعي بشكل إيجابي. على الرغم من ذلك، يتساءل بعض الآباء والأُمّهات عن إمكانية وجود محاذير، قد تنعكس على صحة أطفالهم، جرّاء ممارستهم كرة القدم. عن ذلك التساؤل، يردُ الدكتور جاك ليبنار، الطبيب الرسمي السابق لاتحاد كرة القدم الفرنسي، بالقول:
"ليس ثمّة أي محاذير طبّية تنجم عن ممارسة الأطفال كرة القدم، طبعاً عَدَا عن المحاذير الاعتيادية التي تنطوي عليها ممارسة أي رياضة. لكنها محاذير تنجم عن حوادث وتصادُم، مثلما في أي رياضة أخرى. أمّا طبياً، فليس في كرة القدم ما يسوِّغ نهي أي طفل عن مُزاولتها". ويستطرد بالقول: "في الواقع، ثمّة حالة طبية واحدة، تبرّر منع طفل ما من الانصراف إلى لعبة كرة القدم. وهي حالة نادرة للغاية، إذ تتمثل في العَوَر، نعني الرؤية بعين واحدة، لسبب ما، إما خلقي منذ الولادة، أو جرّاء حادث أو عملية، أو تلقّي شظية ما، مثلاً في أوضاع الحروب، أو الإصابة بمرض بصري أفضى إلى العور، وما إلى ذلك. في تلك الحال، تعد ممارسة كرة القدم غير مُحبّذة لأنها ترهق العين السليمة". ومع ذلك، يبدو أن تلك الحال (نعني إصابة إحدى العينين)، حتى هي، لا تثني البعض عن ممارسة لعبتهم المفضلة، وربما التألق فيها، ومن دون آثار ظاهرة. فمثلاً، في نهاية ستينات القرن الماضي، وبداية سبعيناته، كان هناك لاعب مرموق، يدعى لطيف شندل، يشغل منصب حارس مرمى منتخب بلاده، العراق، وفي الوقت نفسه يلعب كمهاجم ضمن فريق محلي ("نادي الكرادة الشرقية"). وتألق شندل في المركزين كليهما، على الرغم من إصابة إحدى عينيه منذ الطفولة.
- الفوائد الصحية:
أمّا عن فضائل كرة القدم للأطفال، وفوائدها الصحية، فيختصرها الدكتور ليينار بالقول: "إنّ كرة القدم تدخل في نطاق تمارين المطاولة، أو القدرة، التي تُحسّن الوظائف التنفسية وتقوي عمل القلب، بينما تسهم السرعة وتمارين مَطّ العضلات في تقوية الوظائف العضلية. وينبغي التشديد على أن كرة القدم ليست من الرياضات التي قد تفضي إلى عجز قلبي أو تنفسي عند الأطفال والصبية، بخلاف رياضات أخرى". كما يذكر، رداً على مَن يعيبون على كرة القدم كونها "تهمل" الطرفين السفليين عند الطفل، بأن "ذلك الإهمال كان ربما صحيحاً في الماضي، لكن برامج التدريب الحالية تطورت كثيراً، فبدأت تأخذ ذلك في الاعتبار، وتشدد على تقوية الذراعين والساعدين أيضاً، وتخصيص تمارين لها، لتفادي نمو الطرفين السفليين بشكل ملحوظ بالقياس إلى الذراعين والكتفين".
ومثلما ذكرنا، تنطوي كرة القدم على احتمال حصول حوادث، كأي رياضة أخرى قد يمارسها طفلك. في هذا الصدد، يقول الدكتور الرياضي: "إنّ معظم الحوادث الطبية، جرّاء ممارسة كرة القدم، تخص العضلات والمفاصل، فضلاً عن التواء الكاحلين. لكنها قليلة جدّاً لدى الأولاد الصغار، وتبدأ في التزايد مع التقدم في العمر، وبشكل خاص لدى المتوجهين نحو الاحتراف، وطبعاً لدى المحترفين أنفسهم". ويؤكد أنّ الحوادث العضلية، في معظم الأحيان، تحصل بسبب عدم لجوء الطفل أو الصبي إلى إحماء كافٍ قبل التباري، أو الدخول في حلقة تدريب حقيقي". إذن، أيها الأولاد، عليكم بإجراء تمارين إحماء قبل دخول الساحة، تفادياً للحوادث العضلية. وعن الحوادث المفصلية، يؤكد الدكتور ليينار أنها "تخص الركبتين بشكل خاص، ما يشكل نحو 6 أعشار إصابات المفاصل الناجمة عن كرة القدم، وهي عموماً نتيجة إجهاد النفس أكثر من اللزوم. بالتالي، ينبغي على كلّ طفل معرفة حدوده البدنية، والتوقف والاستراحة قبل تجاوز تلك الحدود، حالما يحس بالتعب، وخور القوى في منطقتي الركبتين. فمثلما يشكل الإحماء خير وسيلة لتجنب الحوادث العضلية، يشكل التوقف عن اللعب خير وسيلة لتفادي الحوادث المفصلية".
- خفض احتمالات التواء الكاحل:
كما يوضح الدكتور ليينار أنّ إصابات الركبتين، عموماً، تكون على نوعين أساسيين: إصابة الغضروف الهلالي وإصابة الرباط المتعاكس (النسيج المتشابك). وللأطفال والصبية، ينصح الأخصائيون أيضاً بارتداء "وقاء الظنبوب" (ما يسمّى "غيتر")، لحماية ما تحت الركبتين، خصوصاً عظم الظنبوب وعضلات الساق. لذا حري بالوالدين حَض طفلهما على حمل ذلك الوقاء، سعياً إلى تقليص احتمالات الحوادث العضلية والمفصلية. وفي الأحوال كلها، في بلدان كثيرة، أصبح ارتداء وقاء الظنبوب إلزامياً أثناء أي مباراة، حتى لفئات الأشبال والفتية، وإن لم يكن إجبارياً أثناء التدريب واللعب للهو والمرح. لكن، يُنصح الجميع بوضعه في الأحوال كلّها، حتى أثناء التدريب أو مجرد اللعب للهو.
وأخيراً، في الحديث عن الحوادث الطبية المحتملة، يُشار إلى احتمال التواء أحد الكاحلين، الذي من الممكن تقليله، هنا أيضاً، بتمارين إحماء كافية، وبشكل خاص تمارين مَطّ الجسم، بما فيه القدمان. كما يؤكد الدكتور ليينار، أنّ الإحماء وتمارين مَطّ الجسم قبل ممارسة اللعبة، من شأنهما أيضاً الوقاية إلى حد كبير من آلام الحوض وأسفل البطن، التي كانت شائعة قبل عقود، جرّاء عدم إدراك مُدرسي حصص الرياضة، والمدربين أيضاً، أهمية تمارين الإحماء ومط العضلات.
وعَدَا عن وقاء الظنبوب، الذي أشرنا إليه، ينصح الدكتور الرياضي الفرنسي الآباء بحض فلذات أكبادهم، إذا كان هؤلاء يلعبون الكرة كحرّاس مرمى، على ارتداء بناطيل قصيرة (شورت) معززة في منطقة الحوض (أكثر سُمكاً). فمن شأن تلك التجهيزات، الخاصة بحماة الهدف، رفع قدرة التحمّل عندهم على تلقّي الصدمات، الناجمة عن كرات تصل إلى تلك المنطقة، وتفادي إصابة عظام الحوض، وعضلاته، بأيٍّ من الحوادث الطبية المحتملة المشار إليها.
- هل ثمة عمر أدنى لممارسة الـ"فوتبول"؟
ثمّة سؤال آخر، لا يندر أن يطرحه الآباء: هل يوجد حد عمري أدنى لممارسة كرة القدم؟ عن ذلك التساؤل، يرد الدكتور جاك ليينار بالقول: "لا يوجد تقييد عمري طالما أن نمو الطفل سائر بشكل طبيعي". لكنه يستطرد بالقول: "على الرغم من ذلك، قبل سن 10 سنوات إلى 12 سنة، ينبغي أن يغلب طابع الترفيه واللهو عند الأطفال عندما يلعبون كرة القدم، على حساب البُعد التنافسي الحقيقي، الذي يأتي لاحقاً". يضيف: "إلى ذلك، ليس هناك حد عمري أقصى أيضاً. على الرغم من ذلك، بدءاً من سن الـ45، أو 50 على أعلى تقدير، يجب فحص قوة عضلة القلب، والتأكد من قابليتها على مواجهة الجهد". كما يشدد على "ضرورة الالتزام بإجراء فحص طبي سنوي للجميع صغاراً وكباراً، في الأحوال كلها، للتأكد من قابلية مزاولة هذه الرياضة أو تلك من دون موانع طبية".
* محمد عبود السعدي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق